فهد عامر الأحمدي
للوهلة الأولى يعتقد كلنا أننا نعرف الجواب، ولكن ما أن نحاول الاجابة عن هذا السؤال حتى نكتشف حيرتنا في تعريف "الوعي" نفسه وكيفية إدراكنا وشعورنا الداخلي بما يدور حولنا !!
- فهل وعيُنا مثلا قاصر على حواسنا الخمس !؟
.. إن كان الجواب (نعم) فكيف نشعر إذاً بمظاهر نفسية خارقة كالحدس والتخاطر والحلم بالمستقبل؟!
- وهل عدم وعينا بشيء ما يعني عدم وجوده حولنا !؟
.. إن كان الجواب (نعم) فكيف نفسر وجود الجن وموجات الأثير والأصوات التي لانسمعها ؟!
- وهل يختلف وعينا أثناء اليقظة عنه أثناء النوم !؟
.. إن كان الجواب (لا) فكيف نرى في احلامنا أماكن بعيدة وأحداثا لم تقع بعد ونعجز عن ذلك أثناء اليقظة ؟!
- وأخيرا (وليس آخرا) هل الوعي حكر على الانسان أم أن النباتات والجمادات تملك بدورها وعيا من نوع مختلف !؟ إن كان الجواب (لا) فكيف تدرك الحيوانات وجودها وكيف تسبح النباتات والجمادات بحمد الله {ولكن لاتفقهون تسبيحهم !!
.. هذه التساؤلات تجعلني في حالة صمت وتذكرني تلقائيا بأول كتاب أثار اهتمامي بهذه القضية لباحث نفسي مشهور يدعى بيرسي سايمور (بعنوان المستوى الثالث للحقيقة أو: The Third level of Reality, Percy Seymour)!
والكتاب باختصار شديد يدعي أن البشر يملكون ثلاثة مستويات من الوعي :
* المستوى الأول : هو إدراكنا للحقائق الموجودة حولنا من خلال حواسنا الخمس ؛ فنحن نعي الأشياء حولنا لأننا ببساطة نراها ونسمعها ونشمها ونلمسها .. ولكن ؛ رغم أهمية هذه الحواس إلا أنها تظل محدودة (كونها لاتدرك سوى قدر محدود من المؤثرات) وضعيفة (بحيث لاتُقارن بحواس الحيوانات مثلا) وعرضه للخداع (بسبب مواقف كثيرة تختلف بين فرد وآخر) !!
* أما المستوى الثاني من الوعي فهو استجابة البشر وكافة المخلوقات لمجال الأرض المغناطيسي؛ فهذا المجال لايساعد فقط الطيور والاسماك على معرفة طريقها ؛ بل ويمنحنا أبعادا نفسية غامضة مثل التخاطر والحدس والإلهام ، ناهيك عن الاحساس بالاتجاه الصحيح والتواجد بأماكن لم نزرها من قبل !!
* أما المستوى الثالث فهو وجود امتداد فيزيائي خفي ينطلق من اجسادنا إلى أماكن بعيدة - يقتحم حواجز الزمان والمكان - بحيث ندرك ما يحدث (هناك) .. وهذا الامتداد يعرف في معظم الثقافات باسم الروح (حسب رأي الكاتب) وقد ينطلق من الانسان أثناء النوم أو التأمل فيرى احداثا ومواقع تبعد عنه مسافات شاسعة . وهذا الامتداد لايسافر فقط بطريقة لحظية بل ويستطيع اختراق المستقبل والرجوع للماضي بحيث نشعر فجأة خصوصا أثناء الحلم بأحداث وقعت أو ستقع لاحقا ( وهذا الرأي بالمناسبة لا يختلف عما أورده ابن القيم الجوزية في كتابه الروح ) !!
... على أي حال أعتقد شخصيا أن هناك أنواعا اضافية من الوعي يمكن للانسان السمو لمستواها ؛ فهناك مثلا الامتزاج بالمعلومة أو الحدث ذاته (وهو شعور مبهم كتبت عنه مقالا خاصا بعنوان المستوى الرابع للحقيقة وظهر في موقع الجريدة في 4/7/2009).. وهناك أيضا ما أسميه الإحساس المنطقي الذي يتجاوز حواس الانسان الخمس ولايمكن إدراكه بغير التأمل والمحاكاة العقلية (بحيث يمكن مثلا إدراك الحقيقة الإلهية من خلال التفكير المنطقي واستقراء الأدلة المتوفرة) .. فكما توصل الإعرابي الأمي الى الخالق من خلال الاستقراء المنطقي لمبدأ "البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير" توصل كثير من المفكرين الى وجود خالق الكون - ليس اعتمادا على المنقول - ولكن عن قناعة رياضية ونتيجة منطقية لايمكن للأحداث أن تنتظم بدونها .. وهذا والله أقوى الإيمان!!